الأربعاء، 8 يونيو 2011

مابين الرطيان ودرويش "








محمد الرطيان "

شرق أوسطي وامرأة متوسطية



" حكاية لم تكتمل .. لخلل في الساعة الكونية ! "



* هذه حكاية قصيرة جدا ً ، حدثت في مقهى ما ، في مدينة ما ، في توقيت ما ..

وعلى طاولتين متقابلتين :

في نفس اللحظة التي جَـلـَسَت فيها على الكرسي في الطاولة المقابلة لي .. جلست أنا ، ونفس الجرسون الذي سجّل طلبها على دفتره الصغير .. أتى مبتسما ً ليسجل طلبي ( الجرسون : كائن منافق ، يبتسم لك بشكل مبالغ فيه ، كأنك أحد أعز أصدقائه .. وما أن يُدير ظهره لك إلا ويسحب ابتسامته الباردة ، ويقول بصمت : تبا ً لك !.. هل يأتي أحد في هذا الوقت ليشرب قهوة ؟ ) ابتسمت وأنا أتخيّل شتيمة الجرسون لي .. لحظتها أشتبك نظري بنظرها وظنّت أن الابتسامة لها فردتها بابتسامة أحلى وأطيب .. لم تستمر سوى ثوان وعادت لتقرأ الصحيفة التي بين يديها .

ما الذي جعلها تسترعي انتباهي ؟

بعض النساء بإمكانهن سحب كل الأكسجين من المكان الذي يأتين إليه ، والتحكم في نسبته ، وتوزيعه على الحضور : شهقة .. شهقة . لعلها من هذا النوع !
هل أنا " الرجل " الذي يهتم لأي " امرأة " عابرة ؟.. لا .
هل لأنها تحمل صحيفتها ، وتقرأ باهتمام ؟.. ممكن .. فأنا أفضل التي تقرأ .
هل السبب ملامحها الخارجية ؟.. ولكن لا يوجد في ملامحها أي شيء خارق للعادة ..
عيناها ليستا استثنائيتين .. انفها .. شعرها .. فمها ليس استثنائيا .. ولكنها مع هذا أراها " على بعضها " استثنائية .
في ملامحها شيء لا أعرفه والأشياء التي لا أعرفها تثيرني أكثر .
لها وجه بريء ، ومبتسم .. رغم أنها لا تبتسم لحظتها . أصحاب الوجوه المبتسمة طيبون ورائعون من الداخل .. كما أتخيّل .


ما بين انشغالي بالرد على رسائل الجوال المتراكمة منذ البارحة .. ومراقبتها بحياء وحذر .. كنت أفكر كيف الطريقة إلى الوصول إليها ؟.. لم أفكر بالجنس لحظتها .. كنت أريد امرأة أتحدث معها ومن خلالها أكتشف هذه المدينة أكثر لأنني أؤمن أن كل المدن هي نساء ، ولا بد من امرأة تجعلك تكتشف المدينة أكثر ... كنت أريد صديقة .. لا حبيبة ..
ربما تكون متزوجة ، ربما تكون مرتبطة بشكل آخر ، ربما لا نمتلك لغة واحدة نستطيع من خلالها المحادثة والتعارف .. ربما يورطني قلبي معها ويسألني عقلي لحظتها : " وما هو دينها " ؟!


مضت قرابة الأربعين دقيقة منذ أن جلسنا على هذين الكرسيين أمام الطاولتين المتقابلتين .
بردت قهوتي .. وازدادت حرارة قلبي .
فجأة .. نهضت من مقعدها .. ولملمت أغراضها واتجهت نحو الشرق .
بسرعة أخرجت محفظتي ورميت من النقود ما يزيد عن الحساب منافقة مني لصاحب الابتسامة المنافقة . نهضت من مكاني .. أحسست بربكة غريبة .. وشعرت بأن أقدامي تتلعثم كأنها طفل يريد أن يتحدث !
تبعها ؟.. ولماذا ؟.. وماذا سأقول لها ؟ وكيف ستكون ردة فعلها ؟
كل هذا من أجل ابتسامة عابرة ردا ً على ابتسامة هي أشبه بخطأ مطبعيّ ؟!
وقفت على رصيف المقهى وأنا أراها تمضي في الجهة الشرقية للشارع ..
ذهبت في طريقي إلى ناحية الغرب ( وفي القلب شيء لا يمكن وصفه ) وكنت ألتفت إلى الجهة الشرقية .. إليها ...
أمشي خطوتين .. وألتفت ثلاث مرات !
ابتعدت كثيرا ً .. بالكاد أراها .
ألتفت للمرة الأخيرة .. أظنها ألتفتت .
ــــــــــــــــــــــــ

هامش : أنا " مريم " .. طبعا ً لم أولد حتى الآن !.. ولكنني أتخيّل نفسي ابنة لرجل شرق أوسطي من امرأة من حوض البحر الأبيض المتوسط . كان من الممكن أن يحدث هذا لو أن الرجل انتبه إليها وهي تقلب في جوالها .. عندما قامت بتشغيل خاصية البلوتوث . كان من الممكن أن يحدث هذا وأكون ابنة هذا الرجل من تلك المرأة لو أن توقيت التفاتتها الأولى أتت مع توقيت التفاتته الأولى .. قبل أن يمضي كلا منهما في طريقه . كان من الممكن أن يحدث هذا لو أن أي واحد منهما تجرأ وفتح الحديث مع الآخر حول أي شيء .. حتى وإن كان حديثا َ سخيفا ً عن الطقس ذلك اليوم !

الساعة الكونية لم تكن تهتم بهذه التفاصيل الصغيرة ولم تنه هذه الصدفة الرائعة كما يجب .
أنا " مريم " وحزينة جدا ً لأنه لم تعمل المصادفة لتوحيد توقيت التفاتته لالتفاتتها .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محمود درويش

"قطار الساعة الواحدة






رجل و امرأة يفترقان

ينفضان الورد عن قلبيهما ،

ينكسران .

يخرج الظلّ من الظلّ

يصيران ثلاثة :

رجلا

و امرأة

و الوقت ...

لا يأتي القطار

فيعودان إلى المقهى

يقولان كلاما آخرا ،

ينسجمان

و يحبّان بزوغ الفجر من أوتار جيتار

و لا يفترقان ...

.. و تلفت أجيل الطرف في ساحات هذا القلب .

ناداني زقاق ورفاق يدخلون القبو و النسيان في مدريد .

لا أنسى من المرأة إلّا وجهها أو فرحي ...

أنساك أنساك و أنساك كثيرا

لو تأخّرنا قليلا

عن قطار الواحدة .

لو جلسنا ساعة في المطعم الصيني ،

لو مرّت طيور عائدة .

لو قرأنا صحف الليل

لكنّا

رجلا و امرأة يلتقيان ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق